الفصل السادس..
“عريس؟؟” كلمة واحدة صدرت منهم و عيونهم مسلطة عليها…
لتجيب تساؤلهم ببضع كلمات فقط:
” أيوة عريس إيه غريبة يعني إني هتجوز؟ ”
ما بالها هذه الفتاة ألا تشعر بما يدور حولها؟ زوجة شقيقها الكبير لم تكد تصل المنزل بعد وعكتها الصحية التي تسببت فيها بحديثها اللاذع و مازال هناك أمرأة غرقت ولم يعرف حتى الآن كيف حدث ذلك و هي تبحث عن الزواج و لا تقدر الوقت أيضا..
حسنا من الأفضل أن يؤجل الحديث في هذا الموضوع قليلا فالوقت غير مناسب لكن كيف يؤجل و هي تبدو من حديثها أنها عازمة على الموافقة دون اكتراث برأيهم و تخبرهم فقط من باب ” العلم بالشيء ليس إلا “…
” و مين بأة العريس ده و اتعرفتي عليه ازاي؟ ” كان ذلك سؤال فضل الموجه إليها فصفوان لم يعد له طاقة للحديث معها منذ ماحدث لزوجته بسببها و ما وجهته إليه من حديث مُشين.
أجابتهم كأنها تقر شيئا ما: اتعرفت عليه في القاهرة في أواخر الدراسة وكان بيجيلي البوتيك و أنا بجهزه للافتتاح و عرض عليا إنه يوردلي ملابس جاهزة و موديلات مستوردة و اتفقنا على كل حاجة. شخص كويس ورجل أعمال غني جدا و معروف. اتفقت معاه على كل حاجة عشان يقابلكم.
” خليه ييجي بعد بكرة إن شاءالله العصر و الي فيه الخير يقدمه ربنا” كانت تلك إجابة صفوان و لم يزد عليها حديثا آخر و أخذ عنايات وصعدا لغرفتهما لتستريح فيها بينما الباقون انصرفوا كل لشأنه و هي مازالت جالسة مكانها تنظر في إثرهم بابتسامة غامضة.
في المساء و بعد تناول الجميع العشاء و اطمئنانهم على عنايات خلدوا للنوم بينما هي في غرفتها تغط في سبات عميق.
قبل الفجر بساعة..
استيقظت من نومها و تحركت بآلية كأنها شخص مسلوب الإرادة و اتجهت للشرفة لتنظر إليه يقف أسفلها وبيده كيس يشير به إليها لتأخذه، نزلت الدرج ببطء و اتجهت حيث كان ترك الكيس من يديه لها و التقطته و قبل أن تنصرف سمعت
همسه خلفها: الكيس ده يفضل معاكي ووقت اللزوم هتحطي منه في أي حاجة تتشرب وهنتقابل قريب. وفي لمح البصر كعادته اختفى قبل أن تراه و عادت لغرفتها و نامت نوما عميقا لاتشعر بشيء.
*****************
في اليوم المنتظر عصرا…
حضر الضيف و انتظر في غرفة الجلوس و بعد تقديم واجب الضيافة له دخل الأشقاء الثلاثة لتنالهم الصدمة مما رأوه. فالعريس لم يكن سوى رجل في العقد السادس من العمر و يبدو عليه الثراء و الغرور أيضا فكيف لم تخبرهم بعمره؟ هل فقدت عقلها لتوافق على الزواج من هذا الرجل؟
جلس ثلاثتهم أمامه يرحبون به بامتعاض بينما هو ينظر إليهم بفخر و عنجهية..
بدأ بالتعريف عن نفسه واسمه “هارون يعقوب” رجل أعمال وبدا متباهيا بماله و ثرائه و ما يمكن أن يقدمه للعروس و كيف سيلبي كافة طلباتها، لم تخلو كلماته من التباهي المبالغ فيه و في نفس الوقت التلميح أنها لن تجد من هو أفضل منه لترتبط به لكن حديثه لم يعجب صفوان و إخوته بالمرة فهو يتحدث بطريقة غريبة ناهيك عن شعورهم بالضيق منذ رؤيته و انقباض القلب الذي انتابهم.
و قبل انصرافه التفت إليهم قائلا: أنصحكم توافقوا لأن العروسة موافقة خلاص.
انصرف بعد أن زرع في قلوبهم الشك و الريبة منه، كيف لرجل مثله أن يتجرأ ويتقدم للزواج من فتاة الفارق بينهما أكثر من عشرون عاما؟! هل يعقل أنها وقعت في غرامه؟ هل يهددها بشيء ما؟ لكن كيف و هي التي تقدم لخطبتها العديد من الشباب الأثرياء ذوي الحسب و النسب و كان ترفضهم متعللة برغبتها في إكمال دراستها الجامعية و هاهي أنهتها بتفوق و الآن تأتي لهم بهذا الكهل المتصابي؟ قد فقدت عقلها دون شك لتوافق على شخص مختل كهذا، لكن لابد من الحديث معها لمعرفة ما يدور خلفهم فبتأكيد هناك شيء ما.
********************
” أنا موافقة عليه وعجبني جدا” كانت تلك كلماتها التي أكدت عليها و لم تقتنع بأي مناقشة معهم، حاولوا جميعا معها لإثنائها عن هذا الزواج الغير متكافئ لكنها لم ترى أو تسمع غير نفسها تحاول إقناعهم أنه ذو مركز كبير و نفوذ و ثري سيحقق لها كل أحلامها و ليست بحاجة للمشغل الآن فهو سوف يوفر لها احتياجاتها وما من داع للعمل أو مساعدة فتيات البلدة فهي غير مسؤولة عن ظروفهم أو فقر الآخرين.
” مينفعش كده يا فاطيما لازم تختاري شاب من سنك و بعدين إنتي من إمتى بتتكلمي عن الفلوس؟ الحمدلله كل حاجة متوفرة ليكي و في أي وقت.. بس طريقتك دي مش طبيعية و بعدين الراجل ده مش مريح خالص شكله مريب جدا و يقلق و واثق إنك هتوافقي عليه بشكل غريب.”
حاول حسان إقناعها بكلماته و رأيه لكنها لم تكن لتقتنع نهائيا… فجاءها رد الحاج صفوان كبيرهم يحسم الأمر نهائيا: مفيش جواز من الراجل ده إحنا مش هنبيعك ولا إنتي معيوبة عشان نوافق تتجوزي من الشايب ده… بلغيه رفضنا النهائي و ينسى خالص الموضوع ده..
“كده؟ تمام يبأة إنتوا الي اخترتوا و متزعلوش بعد كده.” رمت تهديدها في وجههم و نهضت تركض لغرفتها غير عابئة بنداء أسماء و صفية حتى تنتظر لكن لا فائدة.
طلب منهم صفوان عدم الحديث في الموضوع مرة أخرى معها و نسيانه فلا طائل من جدالها في أمر مفروغ منه تماما
********************
” حرييق.. حرييييق… الحقونا يا عالم.. يا حاج صفواااان.. يا سي حساان.. الحقووونا.. يا أستاذ فضل.. النار مسكت في المخزن الكبيييير.. ”
صرخات شباب القرية و هم ينادون على أهل المنزل الكبير والرجال يحاولون إطفاء النيران التي وصلت ألسنتها عنان السماء من قوتها و كلما حاولوا إطفاءها بالمياه تزداد قوتها كأنها تتغذى عليها، ركض رجال المنزل بينما النساء وقفن داعين الله أن يحفظ رجالهم ويمر الأمر على خير دون خسائر..
واقفة أعلى درجات السلم تنظر إليهم بعيون شامتة كأنها تقول لهم لقد أخبرتكم لكنكم لم تهتموا لذا فلتستعدوا لتبعات رفضكم و هاهي البداية..
” حاسب. حاااسب يا حساااااان”… ركض مسرعا يسحب شقيقه قبل وسط النيران التي حاوطته و كادت تفتك به وهو يساعد الشباب في إخمادها دون جدوى…
يقف شيخ الجامع و بعض رجال القرية مع الحاج صفوان يحاولون إثناءه عن الاقتراب من المخزن فالوضع خطر للغاية والاقتراب أشبه بالانتحار وسط ألسنة اللهب، ردد الشيخ بحزن: لاحول ولاقوة الا بالله.. استغفر الله العظيم.. سترك يارب.. استرها ياكريم.. يارب عديها على خير..
و مع كل كلمة يقولها كانت النيران تهدأ شيئا فشيئا و عند ملاحظته ذلك استمر في ذكر اسم الله و ترتيل بعض الآيات القرآنية حتى خمدت النيران تماما تاركة أثرا ليس بالهين على المخزن الذي دُمرت أكثر محتوياته للأسف.
اترك رد